Jumat, 17 Mei 2013

بــــــــــــلد خــــــيّاليّ

كان أبي أغنى مَنْ في القصص، ذات ليل يقــُصّ عليّ أبــي أنّه يسافر إلى البلد الذي كان علماء كثيرون مشهورون بعلومهم يسكنون فيه و يرغدون عيشهم ظاهرا على مظاهرهم و طريقة حياتهم. قيل، هم من مؤرّخين و أدبــــاء و علماء متأدّبين مهّارين في مجالهم. كانوا مهنيّن في علم التكنولوجيا و الآخرون عالمون في علوم اللغة و الفلاسفة و الباقون يعرفون كثيرا عن تاريخ الحضارة و الإقتصاد و غيرها.
"لهذا بلد عجيب! لا يجــري فيه أحــد إلّا ذو علــم" تعــجّب أبــي مهـــزّزا رأســـه، فأنـــا مـــستمع إليه استماعا جيّدا كما أنّني أجد نفسي  ببلد العروس لبلقيس بعد أن زوّجها سليمان عليه السّلام. لم أعرف بلدا عجيبا مثله بعد إلّا الآن.
"أنـــــا ذاهـــب هنــــاك و رَاءُ أكثـــرَ من الســـــكّانِ مَشْغولون بأعمالهم نفوسهم مثل راعية الغنم و زرع النبـــاتـــات و اصلاح مجرى الماء و تصوير الرّسم على الأجدار و الصّطور و عدد من الآبــــاء يقصّـــون قصص الأنبيـــــاء الســـــابقين على أولادهم تعبيــــريّـــــا بصوت مرتفع حين أمّهـــــاتهم يعددن المائدة و ســـائر المقيمين يقـــرؤون الكــتب في شـــــــربة بيــــوتــــهم أو تحــــاوروا عن المتقدّمـــات و الأخبــار مقتضيّــة الحال. إذْ تلقَّيْتُ حضر موت بهدوئه و الآن لقد شاهدت حضرا مــلوّنـــا بازدهـــــامه".
"رأيت مجلسا كان فيه جماعة تبحث عن العلوم و الحكم"
"ثمّ ماذا يا أبي؟" سألته سائلا متحيّرا
"و سمعت أديبا عمّيّا يحمل معه العصا و يقوم على المنبر. و أعجب ما نظرته يقرأ أشعارا للأصمعي دون نظر، شاعر من أشهر الشّعراء في العصر العبّـــــــــاسي عند سلطان خليفة أبو جعفر المنصور، و ها هي ذه الأشعار للأصمعي قرأها العمّيّ:
صـوت صــفير الـبلبـلي    ***     هيـج قـــلبي الثمـــــــــــــــلي
المـــــــاء والـــــــزهر معــــــــا       ***     مــــع زهــرِ لحظِ المٌقَلي
و أنت يا ســـــــــيدَ لـــــي       ***      وســــــــيدي ومــــــــــــولي لي
فكــــــــم فكــــم تيمـــــــني       ***      غُـــزَيـــــــــــــــــلٌ عقــــــــــيقَــــــــــلي
قطَّفتَــــــه من وجــــــــــنَــــــــةٍ    ***      من لثــــــم ورد الخـــــــــجلي
فـــــــــــــقال لا لا لا لا لا       ***      وقــــــــــــــــــــــــــــد غدا مهرولــي
والخُـــــــــــــــــــوذ مالت طربا    ***                من فعــــــــــــــــــــــل هـــذا الرجلي
فـــــــــــــــــولولت وولولت       ***     ولـــــي ولي يـــــــا ويل لـــــــــــي
فقلــت لا تولولــــــــي          ***      وبيـــــني اللؤلــــــــــــؤ لــــــــــي
قالت له حين كـــــــذا       ***      انهـــــض وجــــــد بــــــــــــــــالنقلي
وفتيــــــة سقــــــــــــوننــــي         ***      قـــــــــهـــوة كــــــــــــالـــــعسل لي
شممـــــــــــتها بـــــــــــأنافي           ***      أزكـــــــى من القــــــــــــــــــــــــــرنفلي
في وســط بستان حلي    ***      بالزهر والســـــرور لي
والعـــود دندن دنا لي      ***     والطبل طبطب طب لـي
طب طبطب طب طبطب                    ***      طب طبطب طبطب طب لي
والسقف سق سق سق لي                   ***      والرقص قد طاب لي
شـوى شـوى وشــــاهش  ***      على ورق ســـفرجلي
وغرد القمــــــري يصـــــيح  ***     ملل فـــــــــــي مــــــــــــــــــــــــللي
ولــــــــــــو تراني راكبا                       ***      علــــى حمار اهزلي
يمشي علــــــــــــى ثلاثة         ***     كمـــــشية العرنجلي
والناس ترجــــــــم جملي    ***     في الســوق بالقلقللي
والكـــــــــل كعكع كعِكَع     ***      خلفي ومـــن حويللي
لكـــــــــــن مشيت هاربــــــــا     ***      مـــن خشـــية العقنقــــــــــلي
إلى لقاء مــــــــــــــــلك ***      مــــــــــعظم مبجلي
يأمر لي بخـــــــــــــلعة                        ***     حمـــراء كالدم دملي
اجــــــــــــر فيها ماشيا          ***      مبغــــــــــددا للذيلي
انا الأديب الألمــعي من   ***      حي ارض الموصلي
نظمت قطــــعا زخرفت   ***      يعجز عنها الأدبو لي
أقول في مطلعــــــــــها          ***      صوت صفير البلبلي
فسألني أبي هات ما عندي "أعرفت؟؟"
"عمّ يــــا أبي؟"
"مهما كانت الغرابة في ذالك البلاد يجعلني متعجّبــــــــا، لم أجد من السكّان من المتماسحين، . إن كانوا متقابلين في الطّريق لم يسلّم بعضهم على بعض مع أنّهم من المتأدّبين. يسارعون في الكلام و يستبقون معرفتهم على الآخر فقط".
"حتّى حين زاد ظلّ شيء على ظلّ مثله ، يدلّ على مجيء وقت صلاة العصر. أأدّي صلاة العصر جمعا قصرا مع الظهر في إحدى المساجد الكبيرة".
بعد أن صلّيت أربع ركعات بتسليمين التفتُّ إلى غلام شديد سواد الخداء و شديد جمال وجهه. كان مظهره مرتّبا لباسه و شعره، و عينـــــــــاه مثل عيني صقر. اذ طلع عندي و يعرّفني نفسه بلغة فصيحة بليغة، فصاحة لغــــــــته و بلاغـــــــتها تكــــاد أن تمثّل لغة فريد الدين أتّـــــــار، مؤلّف كتاب "منطق الطير". ظهر أنّه رجلا مؤدّبـــــــا. رغبت في أسلوب تحيـــّـة خطابـــــــه عند التّحاور.
"كأنّكم غريب هنا, صحيح؟" سألني الرّجل، فأضحك
"كيف عرفتم أنّنيْ غريب؟" سألتُـــــــــه
" ظننتكم غريبـــــــا من لحنكم و لحجتكم"
"عجيب!"
نتروّط في الحـــــــــوار الجذّابي قدر ثلاث ساعات، فحدّثني كثيرا عن كلّ شيء، نحو تراث الإسلام و الفلاسفة و السّيــــــــــاسة  كما أنّه علِمَهَا شمالا و ما أنا بعالم ولو قليلا. قال أنّه يحبّ في القراءة حبّ الزوج لزوجتــــــه، حتّى يكون ماهرا و عالما كذا.  تعجّبت أنــــــــا بعلومه و معرفته الشميلة.
            يُحَدِّثني عمّا لم أدْرِ بعد. القصص غريبة عنْدي، فيها نصائح و حكم. كانت مختلفة من الغالب.
             إمّـــــــا طلبْـــــــتُه عن فلسفة عند أبي حميد بن محمّد بن أحمد الغزالي-لأنّـــــــي أدري عنه فقط- فـــــــــأجابني ببيان أشمل و يـــــــــــــــزيد في بيـــــــــــــــان فلسفة عند الفيلسوفيّين الآخرين مثــــــــــــــل أبي نصر محمد بن محمد بن فرحان الفرابي أو  الفيلسوف العيرانيّ أبي علي الخازن بن يعقوب بن مسكويه الذي اشتهر بلقب "المعلّم الثّــــــــــالث-ابن مسكويه" بعد الفرابي (المعلّم الثّــــــــــــاني)
لا يستطيع أحد أن ينـــــكر بيــــــــــــــــــــــــــانــــه، كأنّ بـــيـــــــــانـــــه إظهــــــــــــــار مبين لا ريــــــب فيه ،مهما كان مخـــطئــــــــــــــــــا فيعارضْ معارضة قويّة. معرفته منتشر في طروق دمــــــــاغه حتّى مخاطبه يكون مستمعــــا مطيعــــــا مصــــدّقا له، أيقنت بعلّامته ولا بحمقه.
"ولكنّه سكت فجأة سكوتا متحيّرا حينما أسأله سؤالا واحدا. أَ تَعْلَمُ أيَّ ســــــؤالٍ أَســــْــــــــــأَلْتُهُ يـــَــا بُنيّ؟"
"لا أدري، ثمّ مَ؟" أُهــــــزِّز رأْســـــي
"حـــينئذ، تكـــــــاد الشّـــــمس في الغــــــــروب ولم يتكامـــــــل غــــــــروبهـــــــــــا، حتّى أتدخّــــــل بين حديثــــــــه و أســـأل الرّجل – أَ صَلَّيـــــْـتَ الْعَصْرَ؟-"
فاستمرّ أبي " اعْلم يا بنيّ، أنّ الخير ليس منهجا و لا نظريّــــــــــا. لـــــكان الخير عمليّا"

مالانج، حين كنت في عجل عمل الواجب. -_-